توجه يوسف بن تاشفين شمالا لمواجهة الزناتيين, واستفاد من الخلافات القائمة بين قادة تلك البلاد، فتحالف مع بعضها من أجل قتال الباقي، واستطاع أن يدخُلَ فاس من دون قتال سنة 455 هـ، إلى أن تمرَّد أهلها، وفي سنة1067م تمكن من فتح كل البلاد الواقعة بين الريف وطنجة. وأعاد فتح فاس بالقوة بعد حصاره لها, فقضى بذلك على شوكة زناتة: مغراوة وبني يفرن، ونظم مساجدها وفنادقها وأسواقها، وخرج منها سنة 463 هـ متوجها إلى منطقة واد ملوية الشرقية. احتاج المرابطون بين فتح فاس ومنطقة تازة إلى ست سنوات من الصراع، صعب الأمر تحالف تازة مع الفاطميين، انتهت تلك المنطقة بوضع يدها في يد المرابطين. فأصبحت منطقة تازةثغرًا منيعًا بينه وبين زناتة؛ يعتبر عام 467 هـ 1074 فاصلًا في تاريخ الدولة المرابطية؛ إذ بسط يوسف نفوذه على سائر المغرب الأقصى الشَّمَالي باستثناء طنجة وسبتة. وفي شبه الجزيرة الإيبيرية اضطر المعتمد بن عبادملك طائفة إشبيلية أن يكتب إلى يوسف بن تاشفين يستدعيه للحوز برسم الجهاد ونصر البلاد. فأجابه يوسف بن تاشفين بقوله لا يمكنني ذلك إلا إذا ملكت طنجة وسبتة. وفي حملته بين 1071 و1075 فتح فيها كرسيف ومليلية وسائر بلاد الريف وقضى على إمارة نكور وخرب مدينتها، تم توجه إلى بلاد المغرب الأوسط فافتتح مدينة وجدة وبلاد بني يزناسن. ثم افتتح مدينة تلمسان وقتل أميرها ورجع إلى عاصمته مراكش سنة 1075. وسار المرابطون إلى طنجة بجيش من اثني عشر ألف فارس مرابطي وعشرين ألفًا من سائر القبائل، وانتصروا وفتحوها سنة 1077. عاد بن تاشفين إلى المغرب الأوسط وافتتح وهران حتى وصل مدينة الجزائر ودخلها، وتوقف عند حدود مملكة بجاية التي حكمها بنو حمَّاد، فأقام يوسف في مدينة الجزائر الجامع الكبير. وعاد إلى مراكش عام 475 هـ 1081م، وتوحَّد بذلك المغرب الأقصى بعد ثلاثين عامًا من القتال.
تأسيس مدينة مراكش
عندما استقر جيش المرابطين الضخم بمدن أغمات وأوريكة، اشتكى شيوخ تلك المدن إلى الأمير أبو بكر بن عمر من ضيق المكان وكثرةالخلق وصعوبة العيش على تلك الحال، فطلب منهم الأمير أن يعينوا له موضعاً لبناء مدينة جديدة، فكان الاختيار على موقع بين بلاد هيلانة وهزميرة، كونها أرضا رحبة واسعة، غير مأهولة يمر بها وادي نفيس، قريبة من جبل درن، وكونها مسرحاً خصيباً للجمال والدواب يليق بمقصد الأمير. تم وضع أساس مراكش سنة 462 هـ 1069م، وشرعوا في بناء الدور من غير تسوير عليها، وفي عام 463 هـ1070م، استخلف الأمير أبو بكر ابن عمه يوسف بن تاشفين مكانه على المغرب، فأكمل يوسف بناء مراكشوحصنها وأعانته القبائل في ذلك.
الأندلس
بقيت سبتة المدينة الوحيدة التي لم تخضع له، فقام يوسف ابن تاشفين سنة 476 هـ 1083م بتوجيه ابنه المُعزَّ بجيش إلى سبتة لفتحها، فحاصرها برًّا وبحرًا. ودارت معركة بحرية واستطاع المرابطون فتحها سنة 1084م. كان حال الأندلس على نفس حال المغرب حين وصل يوسف بن تاشفين إلى سدة الحكم، حيث كان الحكم مبعثرا بين ملوك الطوائف التي كانت متناحرة بينها، واستغل ملك قشتالة ألفونس السادس تلك الأوضاع المتدهورة للأندلس وأقدم على احتلالها، فسقطت سرقسطة شمالا واحتل في طريقه مدينة طليطلة حتى وصل جزيرة طريف فكثرة رسائل أهل الأندلس تطلب النجدة والنصرة من المرابطين، وكان أبرزها الوفد المكون من قضاة إشبيلية وبطليوس وغرناطة. وعندما اطمئن الأمير المرابطي من أمر بلاد المغرب بعد توحيدها وتحسن أوضاعها؛ قرر العبور إلى الأندلس بعد أن اقترح عليه وزيره ومستشاره ابن أسبط، الأندلسي الأصل، بأن يطلب من المُعْتَمِد أن يتنازل عن مدينة الجزيرة الخضراء كي يتصرف بها جيشه بحرية ويتمكن من عبور البحر متى شاء، فوافق المعتمد وجمع القضاة والفقهاء، وكتب عقد هبة الجزيرة الخضراء للأمير يوسف، وتسليمها له وكان يحكمها يزيد الراضى بن المُعْتَمِد، فأرسله إليه أمره بإخلائها وتسليمها للمرابطين
عزل ملوك الطوائف
استجاب يوسف وجهز جيشا وعبر الأندلس للمرة الثالثة في أوائل سنة 483 هـ 1090م، واتجه مباشرة إلى طليطلة التي أصبحت عاصمة قشتالية. وحين تبين له مناعتها، تركها عائدا إلى جنوب الأندلس متوجها صوب طائفة غرناطة، التي استلم له أميرها عبد الله بن بلقين. وتخبرنا المصادر الأندلسية أن ابن بلقين قد بعث، قاضيهعيسى بن سهل مرتين أو أكثر إلى المغرب سفيراً لدى المرابطين، لكن القاضي - كما زعم ابن بلقين - قد وشى لابن تاشفين على نقط ضعف أميره عبد الله ابن بلقين، وأعلمه أن أهل غرناطة مجمعين وغير مختلفين على طاعة ابن تاشفين، وأن قلوب الجند والعامة مع المرابطين، وبهذا شجع ابن سهل المرابطين على الاستيلاء على غرناطةن وتم ونفي ابن بلقين إلى المغرب سنة 484 هـ. لكن المرابطين صرفوا عيسى بن سهل عن قضاء غرناطة بعد سيطرتهم عليها، بسبب شدته في القضاء.
فعاد أمير المسلمين إلى المغرب، وترك قادته يتموا خلع باقي ملوك الطوائف. فتلتها قرطبة ـ التابعة لبني عباد ـ وخضعت للمرابطين سنة 484 هـ - 1091م، وقتل حاكمها الفتح بن المعتمد. وبسقوط قرطبة المنيعة تبددت آمال المعتمد في نجاح مقاومة إشبيلية. أرسل الملك ألفونسو السادس جيشه بقيادة البرهانش باتجاه الجيش المرابطي المتوجه صوب إشبيلية بقيادة سير بن أبي بكر، فدارت بالقرب من إشبيلية معركة عنيفة انتهت بانتصار المرابطين. شهدت إشبيلية مقاومة شديدة للمرابطين بعد مساندة أنصار المعتمد من الإشبيليين، لكن ميل جزء من سكانها للمرابطين، خصوصا الفقهاء، ساعد في سقوط دفاعاتها واستسلامها، فأسر ونفي ملكها إلى أغماتفي المغرب. وأخذت طائفة المرية من حاكمها معز الدولة أحمد بن المعتصم بن صمادح في رمضان من نفس السنة، ومرسية في شوال، وكذلك شاطبة ومدن أخرى سنة485 هـ - 1092م. وأبقى يوسف بن تاشفين على بني هود في سرقسطة ليقوموا بواجب الدفاع، لما أظهروه من كفاءة قتالية في صد العديد من هجمات المسيحيين ولكونهم حائط يصد عن باقي الأندلس.
كانت مملكة بلنسية أهم قواعد شرق الأندلس، واستقر بها يحيى القادر، بعد أن جرده الإسبان من عرشه في طليطلة. وأخذ يمارس نفس أسلوبه عندما كان يحكم طليلة، حيث استعان بالإسبان، وأصبحوا هم السادة الحقيقيين لبلنسية، وكره سكانها ذلك بشدة. سرى الاضطراب في بلنسية وبدأت بوادر ثورة شعبية ضد يحيى القادر، فاستنجد بألفونسو بينما استعان أهل بلنسية بالمرابطين، الذين هبوا لذلك وأرسلوا جيشًا لنجدة أهلها، ولما اقتربت الجيوش المرابطية من بلنسية، ثار أهلها ثورة عارمة بقيادة قاضي المدينة ابن جحاف واقتحموا القصر وقتلوا يحيى ومثلوا بجتثه في شوارع بلنسية في 23 رمضان سنة 485 هـ 28 أكتوبر 1092م. غضب إل سيد القمبيطور لذلك، وهو فارس إسباني كان منفي من قشتالة، تزعم فريق من المرتزقة الإسبان وكانت سلطته على نواحي بلنسية كبيرة، وبسببه فتحت صفحة أخرى من جهاد المرابطين في الأندلس، حيث أنفقوا جهودا كبيرة لإنقاذ بلنسية من إل سيد الذي دوخهم، والذي كانت تأتيه المؤنة من قشتالة. وكان حليف مخلص ليوسف المؤتمن حاكم طائفة سرقسطة، وهو ابن المقتدر بن هود.
في سنة 490 هـ 1096م عبر يوسف بن تاشفين إلى الأندلس للمرة الرابعة، لترتيب الأمور والدخول هذه المرة في قتال داخل أرض قشتالية، فوجه جيشا بقيادة محمد بن الحاج صوب طليطلة التي احتلتها قشتالة. والتقى بالقشتاليين وهم تحتى قيادة الفونسو السادس بالقرب من بلدة كنشرة (كونسويغرا حاليا)، فهزم المرابطون الجيش القشتالي سنة491 هـ - 1097م. أخيرا دخل المرابطون بلنسية، معيدين فتحها، في شهر رجب سنة 495 هـ. توجه يوسف في نفس السنة إلى قرطبة ليبايع أهلها ابنه علي، وترك معه ابنه الآخر أبو الطاهر تميم بن يوسف، وهو أكبر سنًا من علي، فأمر يوسف ابنه علي بإنشاء جيشًا مرابطيًا ثابتًا، يوزعه على سائر القواعد والثغور الأندلسية. وعاد الأمير يوسف إلى مراكش، وأوصى ابن تاشفين ولي عهده، وهو معه في بمراكش، بحسن السياسة والرفق بالأندلس قبل أن يتوفى هناك في 1 محرم 500 هـ 2 سبتمبر 1106م. ترك الأمير يوسف أثرا كبيرا عند الأندلسيين، خصوصا موقفه الداعي لاستمرار السيادة الإسلامية على هذه البلاد وتفادي وقوعها في يد الإسبان والبرتغال، ووصيته لابنه بالإحسان إلى أهلها:
... فلما قربت وفاته أوصى ابنه ولي العهد بعده أبا الحسن على ثلاث وصايا أحدها: أن يقبل من محسنِ أهلِ الأندلس ويتجاوز عن مسيئهم. |
0 comments:
Post a Comment