المرابطون هي حركة دعوية إصلاحية إسلامية، أسست أول دولة في منطقة المغرب الإسلامي بكامل المعنى، فقد كان المغرب الإسلامي قبل ظهور هذه الحركة مجرد إمارات صغيرة ومبعثرة مبنية على أساس قبلي. اعتمدت الدولة في نشأتها على دعوة الشيخ عبدالله بن ياسين وقوة قبائل صنهاجة، وخاصة قبيلتا لمتونة وجدالة.[1] قتأسست الدولة على منهج إسلامي سني مالكي قويم. وكان لدولة المرابطين دور كبير في نشر الإسلام في منطقة غرب إفريقيا، وفي مد عمر الأندلس أربعة قرون أخر، حيث كسر المرابطون شوكة النصارى في معركة الزلاقة الشهيرة بقيادة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وقضوا بعد ذلك على حكم ملوك الطوائف، وضموا الأندلس إلى دولتهم، وقد استمرت دولة المرابطين قرابة مئة عام منذ سنة 448 هـ - 1056 م إلى سنة 540 هـ - 1145 م.
امتدت دولة المرابطين على منطقة جغرافية من المحيط الأطلسي غربا وبلاد شنقيط وحوض نهر السنغال جنوبًا،[2] وهو مكان مخاض ميلاد الحركة، إلى الامتدادات الشرقية محاذيًة إمبراطورية كانمومزاحمًة إياها على بحيرة تشاد في الصحراء الكبرى. وامتد هذا المجال في الشمال مخترقا جبال الأطلس بتلالها وكبيرها ومتوسطها وصغيرها ، وامتد إلى أن وصل البحر الأبيض المتوسط مخترقا مياهه ودخل شبه الجزيرة الأيبيرية، وسيطر على الأندلس. وعرفت أوج امتدادها في عهد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين الذي أسس مراكش واتخذها عاصمة للدولة. وكانت تجاور سلطانه في الشمال كل من مملكة قشتالة ومملكة نافارا ومملكة أراغون وفي الشرق بنو زيري وبنو حماد وفي جنوب الصحراء، بحكم الأمر الواقع، كل من ممالك بامبوك، وبوري، ولوبي وإمبراطوريتي ماليوغانا.
خلفية
كانت تحكم بلاد المغرب الأقصى عند ظهور المرابطين عدة دويلات أو تجمعات قبلية، أبرزها أربع شوكات قوية لها وزنها: برغواطة وغمارة ومغراوة في الوسط والشمال وطوائف من الشيعة البجلية[3] والوثنيين في الجنوب.[4]
- برغواطة
كانت برغواطة دولة قد تأسست في القرن الثاني الهجري في تامسنا، الشاوية حاليا. وكانت تمتدُّ من الرِّبَاط الحالية إلى بلدة أزمور مصب أم الربيع. أشهر حكامها صالح بن طريف البرباطي، نسبة إلى نهر برباط بالأَنْدَلُس ؛ فصارت كلمة برباطي تُطلق على كل من اعتنق ديانته، ثم حُرِّفَت مع الوقت إلى برغواطي. وكان يدعي النبوة، فأخرج لهم قرآنًا بلغة بربرية محلية يتكون من ثمانين سورة . من شرائعه صوم رجب بدل رمضان، وأضاف في الوضوء غسل السرة والخاصرتين ، وأباح الزواج بأكثر من أربع وغيرها من الشرائع. وكانت المالكية تكن عداء كبيراً للبرغواطيين ، فهم حسب إجماع فقهائها خارجون عن الإسلام ، لذا وجب عليهم حربهم. خصوصا وأنه دخل تحت حكم البرغواطيين الكثير من القبائل . فقرر المالكية أن يعملوا من أجل وقف حملة الردة. فقاتلهم الأدارسة في بداية الأمر ، وبعدهم الأمويين والمغراويين.
- غمارة
كانت تسكن قبائل غمارة جبال الريف الممتدة من ناحية البحر المتوسط من سبتة وطنجة غربًا، إلى وادي نكور (الذي كانت تحمل اسمه مملكة نكور) بالقرب منالحُسَيْمة الحالية، وتمتد جنوبًا إلى قرب مدينة فاس . وكانت غمارة أحد قبائل مصمودة ، اشتهرت بالمشعوذين وكان يقصدهم الخوارج للاحتماء في جبالهم. و ظهر فيهمحاميم الغماري وهو رجل ادعى النبوة ووضع لهم قرآنًا بلغتهم المحلية . ومن تعاليمه تحليل أكل أنثى الخنزير، وأسقط عنهم الحج والطهر والوضوء، وحرَّم بيض الطيور.[5][6][7]
- مغراوة
استقل بني مغراوة الزناتيين عن الخلافة الأموية في الأندلس سنة 390 هـ / 1000 م وبسطوا سيطرتهم تدريجياً بدءاً من فاس حتى سجلماسة وأغمات وتامدولت . وقد تَمّ ذلك في ظل صراعات مستمرة وفوضى سائدة جعلت الحياة اليومية لا تطاق وحالت دون أي نشاط اقتصادي طبيعي في عهد الزناتيين،[8] . ويبدو أن شيئاً ما في هذه الوضعية العامة قد استفز فقهاء المالكية ودفعهم إلى التنديد بها ومعارضتها علنياً ، خصوصاً وأن الزناتيين لم يكونوا خصوماً من الوجهة الدينية بحكم كونهم من أهل السنة في ذلك الوقت ، بل أن منهم من كان مولع بجهاد برغواطة. لكن مع بداية سلسلة من المجاعات التي استمرت من سنة 380 هـ إلى 462 هـ، التي جعلت الزناتيين يثقلون بالضرائب على الرعية بشكل دفع الفقهاء، وبالخصوص أبي عمران الفاسي، إلى إعلان الثورة ضدهم بدعوتهم إلى تغيير منكر المظالم وأمرهم بمعروف رد الحقوق إلى أصحابها. الأمر الذي يؤكد الروابط الوثيقة بين آراء الفقهاء المعنيين بالحركة المرابطية منذ أن كانت مشروعاً.[9]
- الملثمين
لما حووا إحراز كل فضيلة | غلب الحياءُ عليهمُ فتلثموا |
المُلَثَّمين كان اسم يطلق على قبيلة لمتونة ثم توسع وأصبح شعارًا لكل من حالف لمتونة ودخل تحت اسم سيادتها بحرصهم على نشر الإسلام ومواجهة شوكة من يعاديه. يعود تاريخهم إلى أيام تيولوثان بن تيكلان اللمتوني، الذي حارب القبائل الوثنية ونشر بينها الإسلام. سكنوا منطقة تمتد من غدامس شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، ومِن جبال درن شمالاً إلى وسط الصحراء الكبرى جنوبًا. افترق بعد تلك الحقبة المُلَثَّمين، واستمرَّ شتاتهم مدة مائة وعشرين سنة، وأصبحت قبائلهم تفتقر إلى دعم ديني وروحي. بعدها تحالفت قبائل صنهاجة الكبرى، بمثابة ردة فعل، من طرف تلك القبائل على ما عانته من تهميش وإبعاد عن المنافع والأرباح التي كانت توفرها التجارة عبر الصحراء وذلك بعد أن سلبت منها مدنها التجارية وعلى رأسها أودغشت، بعد تمكن التحالف بين زناتة ومملكة غانا من إسقاط مملكة أودغست الصنهاجية في أواخرالقرن الرابع الهجري، وطرد الملثمين من عاصمتهم،[11][12][13] وحل محلهم الزناتيون والعرب في سكناها واستغلال مكانتها التجارية. أدت هذه الوضعية إلى انزواء الملثمين في أعماق الصحراء وابتعادهم عن واحاتها ومراكزها التجارية. كان للجفاف الذي عرفته صحراء الملثمين في بداية القرن الخامس الهجري أثر كبير على ثروتهم الحيوانية ودور في الضغط عليهم من أجل البحث بشكل جدي أكثر من أي وقت مضى عن مصدر آخر للعيش، مما دفعهم إلى التفكير في استعادة دورهم التجاري في المنطقة. فتوحدوا في ظل قيادة واحدة، بزعامة أبي عبد الله محمد بن تيفاوت اللمتوني الذي اشتهر بالصلاح والجهاد.[14][15] وكان شعاره الجهاد في سبيل الله من أجل نشر الإسلام على نهج أهل السنة والجماعة في ربوع الصحراء والسودان الغربي . إلا أنه توفي بعد ثلاث سنوات من توليه زعامة الحلف الصنهاجي . وكان مقتله على يد جيوش مملكة غانة، فخلفه صهره يحيى بن إبراهيم.[16]
المؤسسين
يحيى بن إبراهيم
لما انتقلت الرئاسة إلى يحيى بن إبراهيم، خرج من دياره قاصدًا الجزيرة العربية, لأداء فريضة الحج تاركًا ابنه إبراهيم على السلطة عام 427 هـ - 1035م. وبعد أداء الفريضة، انطلق بين المدارس الفقهية طالبًا العلم, فكان لقائه في القيروان بالإمام أبو عمران الفاسي. وتحدث إليه الأمير عن جهل قومه بأصول الدين، وطلب من أبي عمران أن يبعث معه أحد طلبته ليعلم قَومه. وضع الفقيه المالكي مع الزعيم الصنهاجي الخطوط الأولى لقيام دولة صحراوية على أسس دينية حسب مفهوم أهل السنة والجماعة، للقضاء على الفوضى السياسية والدينية التي كانت تعيشها بلاد المغرب.
أبي عمران الفاسي
نشأ أبي عمران الفاسي في فاس،[19] وهي تحت سلطة مغراوة، فطور مواجهة معلنة لهذه القوى السياسية في مسقط رأسه؛ والتي أثبتت فشلها، واضطرته إلى الخروج من المغرب نحو القيروان،[20] ليرسم فيها اطر دعوة إصلاحية بمشاركة عناصر أخرى مشرقية، حيث تردد أبي عمران الفاسي على بغداد ما يدعو إلى الظن أنه جلس إلى الفقيه الأشعري الماوردي، وربما اطلع على مؤلفاته التي اشتهرت بعمقها في الفكر السياسي، والتي أبرزت تفهم كاتبها لمعطيات عصره السياسي، فاشترط تحالف الدين والقوة والمال من اجل إقامة الدولة. ويبدو أن أبا عمران كان شديد التأثر بتلك الرؤية، حين سعى إلى تطبيقها بالمغرب، عن طريق الاستعانة بعصبية صنهاجة، والتحكم في تجارة السودان لإقامة دولة المرابطين.[21] كان خطاب أبي عمران ليحيى بن إبراهيم ذا مدلول ينبئ عن مشروع جهادي إصلاحي كان يسعى إلى تحقيقه لمواجهة التفكك المذهبي في المنطقة وتصحيح الأوضاع التي بسببها خَرج من موطنه مكرهاً.
«إن الفقيه الفاسي قد ندب الزعيم الصنهاجي إلى قتال برغواطة ببلاد السوس وقتال زناتة على ما صدر منهم من الظلم واستنْزال رؤسائهم من الولاية.[22]»
عبد الله بن ياسين
عرض أبي عمران المسألة على طلابه، الذين اعتذروا متذرعين ببُعد الصحراء وبداوة سكانها وغلظة طباعهم، وعدم تعودهم على الانصياع لأوامر الدين، ورأوا أن انتقاد عاداتهم، المخالفة للإسلام، سيعرضهم للخطر. فوجه الفقيه رسالة مع الأمير يحيى ابن إبراهيم إلى تلميذ له كان يعيش على الحدود الشمالية للصحراء بالمغرب الأقصى، يعرف بوجاج بن زلو اللمطي، والذي ينتمي إلى الشرفاء الأدارسة،[23] يطلب فيها منه أن يوفد مع يحيى من يثق به،
«إنني أعرف ببلاد نفيس من أرض المصامدة فقيهاً حاذقاً تقياً ورعاً لقيني وأخذ عني علماً كثيراً، وعرفت ذلك منه، واسمه وگاگ بن زلو اللمطي من أهل السوس الأقصى وهو الآن يتعبد ويدرس العلم ويدعو الناس إلى الخير في رباط هنالك، وله تلامذة جمة يقرؤون عليه العلم[24][25]»
كان رباط وجاج يقع بقرية أكلو والتي اشتهرت لاحقا بكونها النواة الأولى لانطلاق الدعوة المرابطية. ولقد أثرت مسألة هل رباط أكلو هو المنطلق الفعلي لدولة المرابطين أم رباطا آخر أسسه وجاج ودرس فيه عليه عبد الله بن ياسين قبل تأسيس مدرسة أكلو، تتضارب آراء الباحثين حول هذه المسألة. وقع اختيار وجاج على عبد الله بن ياسين الذي اصطحبه الأمير يحيى إلى الصحراء،[26][27][28] وأثناء عبورهما لها، حرص يحيى على أن يظهر ابن ياسين في أعين الملثمين كأنه شخص مقدس، فكان كلما اقتربا من حي من أحياء صنهاجة ينزل عن دابته، ويقود بالفقيه دابته إعلاء لشأنه وتكريما له، ويصفه لهم بأنه حامل سنة رسول الله، قد جاء يعلم أهل الصحراء ما يلزمهم في دين الإسلام.[29] وأقاما هناك رباطاً، وبلغ عددهم سبعين رجلا، يتعلمون ويتفقهون في الدين بواسطته. فزاد عددهم حتى أن أمرهم ببناء مدينة في موضع يقال له "أرتنني" ففعلوا وهم مطيعين، إلى أن نشأ خلاف بينهم، فثاروا ضده وهدموا داره وأخذوا منه بيت مالهم، فخرج متسترا، وأراد العودة إلى شيخه وگاگ لكن اعترض عليه من بقي معه وطالبوه بالانزواء مع من يرغب في صحبته والتعلم عليه في جزيرة منعزلة، فاقتنع بذلك، وكانوا سبعة من جدالة وإثنين فقط لمتونة، وهما يحيى بن عمر وأخوه أبو بكر بن عمر. وظلت جماعات التائبين تتوارد عليه إلى أن اجتمع حوله ألف رجل فحولوا ملجأهم إلى رباط انطلق منه المجاهدون لإخضاع قبائل الصحراء.[30] وأفلح عبد الله بن ياسين في تحريك القبائل الصحراوية من لمتونة وكدالة ومسوفة وغيرهم.[31] وكان ياسين يستشير شيخه وجاج بن زلو ويرجع إليه في تدبير أموره،[32] والتواصل بين الشيخ وگاگ وتلميذه ياسين كان يتم دائماً بالمراسلات وقد احتفظت المصادر التاريخية بواحدة منها تتضمن توضيح ابن باسين موقفه من شن الحروب على القبائل الخارجة عليه وتشدده في الحدود، بعد أن أنكر عليه شيخه وجاج ذلك.[33]
بداية الدعوة
كان الرباط الذي أقامه بن ياسين بنهر السنغال يقع قريبًا من مملكة غانا، متعمدا الاقتراب لتدريب جماعته في بيئة جهادية، والعيش في الرباط في حالة استنفار وحرب مستمرة، لكنه غير بعيد عن ديار المُلَثَّمين، كي يستند إليهم في حالات الخطر. وعمل على تحكيم الشريعة الإسلامية في مُجْتَمَعه الجديد، واهتمامه البالغ بالفقهاء والعلماء جعلهم يلتفون حوله ويسعادونه على تربية المرابطين بالرباط وتعليمهم وتأهيلهم للمرحلة القادمة، وكان لا يمنعه الحياء من طرد مَن لا يراه مناسبًا لهدفه المنشود. فتحول رباط السنغال إلى منارة في تلك الصحاري، وأصبح يستقطب أبناء قبائل صنهاجة إليه، كما وفر بعض الأمن والاستقرار في تلك المنطقة، مما شجع القوافل على المرور بها، فأدَّى ذلك إلى ازدهار التجارة. وتميَّز الرِّبَاط بإدارة وتنظيم جيد ساعد على تشكيل مجلس للشورى، وجماعة للحلِّ والعقد تطورت مع مرور الأيام، وأصبحت مرجعية عليا لِلْمُلَثَّمِين. وبتقدم مرحلة تكوين المرابطين، الفقهية والحركية والتنظيمية، أصبح لعبد الله بن ياسين رجال يعتمد عليهم في تبليغ الدعوة لترغيب النَّاس في الإسلام، بدأ بإرسالهم إلي القبائل، فلبت مجموعة منها. ثم أمر تلاميذه أن يذهب كل منهم إلى قبيلته ليدعوهم إلى العمل بما أنزل الله لنبيه. فلم يجدوا استجابة كبيرة من أقوامهم، فخرج إليهم بنفسه، فجمع شيوخ القبائل ووعظهم خلال سبعة أيام، فلم يستجيبوا، فلمَّا يئس منهم أعلن الجهاد عليهم.
إعلان الدعوة
تاريخ الطوارق | |
---|---|
هذه المقالة جزء من سلسلة | |
ما قبل التاريخ | |
| |
التاريخ الإسلامي | |
| |
التاريخ الحديث | |
| |
باشر يحيى بن عمر للقتال وأمضى للحرب بنفسه، فقام ابن ياسين فأدَّبه, لأنه اعتبَرَها خطوة متهورة وعدم ضبط للنفس،[34] خصوصا وأن الرجال المرابطين كانوا غير مستعدين للمنازلة. لكن عندما رأى ابن ياسين أنه استكمل التدريب وجهز العدة، تحرّك بالمرابطون أولاً صوب قبيلة جدالة، حيث اشتبكوا معهم وهزموهم وانقاد من تبقى منهم لدعوة بن ياسين، ثم ساروا إلي قبيلة لمتونة فقاتلوهم وانتصروا عليهم، ودخلوا في طاعة المرابطين، ثم مضو إلى قبيلة مسوفة فدخلت تحت لوائه وبايعوه، فلما شهدت باقي قبائل صنهاجة هذه الأحداث بادرت إلى مبايعة عبد الله ابن ياسين، وقلدتها كثير من قبائل الصحراء في ذلك. فترك في كل من تلك المنازل أحد من تلامذته يعلمهم القرآن وشرائع الإسلام. تُوفي الأمير يحيي بن إبراهيم في إحدى الغزوات المرابطية، فقدَّم ابن ياسين مكانه يحيى بن عمر اللمتوني، بعد أن اعتذر جوهر الجدالي، زعيم جدالة بعد بن إبراهيم، ورفضه المنصب يُعد قرار سياسي بعيد النظر من قبل ابن ياسين وجوهر، فصرفهم الزعامة إلى رجل لمتوني لرئاسة قوم غالبيتهم من جدالة فيه معانٍ تربوية تقاوم تقاليد العصبيات القديمة،[35] وكذلك تجذب اللمتونيين لدخول الدعوة المرابطية. وبذلك أصبح للحركة قيادة دينية وسياسية ومجالس شورى. تحت زعامة يحيى بن عمر دخل الآلاف من قبيلة لَمْتُونة في جماعة المرابطين.
صوب المرابطين أعينهم على إمبراطورية غانا لإسترجاع أوداغست، التي كان يسيطر عليها صنهاجة في حلفهم السابق، فتوجهوا إلى الشرق نحو منحنى النيجر سنة 447 هـ 1056م، وخاضوا معركة قاسية[36][37] توفي خلالها يحيى بن عمر،[38] وانتصر المرابطون في الأخير،[39] واستولوا على اودغشت وتوسعوا جنوبا في بلاد غانا حتى وصلوا ديار التكرور،[40] الذين تحالفوا معهم وفتحوا الكثير من بلاد السودان الغربية.[41] فذاعت شهرة المرابطين في أرجاء الصحراء بسبب صدهم للفساد والنهب بحد السيف، ونشر تعاليم الإسلام على منهج المذهب المالكي، فتضاعف عدد المرابطين بذلك،[42] كما زاد رصيد بيت المال بأموال الأعشار والزكاة، الأمر الذي مكنهم من مواصلة حملتهم [43][44] لنشر الدعوة مدة أربعة عشر عاماً حتى خضوع عاصمة غانا سنة 454 هـ1062م.[45]
فتح بلاد السوس
سنة 447 هـ - 1055م كتب فقهاء سجلماسة ودرعة إلى ابن ياسين يُرغِّبونَه مساعدتهم للتخلص من حكامهم زناتة المغراويين وأميرهم مسعود بن واندين، فاستشار ابن ياسين مجلسه، فكان القرار بالإجماع على مد يد المعونة لهم، وقالوا له: أيُّها الشيخ الفقيه, هذا ما يلزمنا فَسِرْ بنا على بركة الله.[46]. فخرجت جموع المرابطين في شهر صفر سنة 447 هـ إلى بلاد درعة، وعدتهم ثلاثون ألف جمل.[47] تصدى لهم المغراويين، وانتهت المعركة بهزيمة المغراويين[48] ومصرع مسعود وتشتت جيشه،[49] فدخل ابن ياسين سجلماسة وعين عليها عاملاً من لمتونة وحامية مرابطية وهي قاعدة أنشئوها قرب سجلماسة تعرف باسم مدينة تبلبالة، ثم عاد إلى الصحراء.[50][51][52][53][54]
تُوفى الأمير يحيى بن عمر فَعيَّن عبد الله بن ياسين أخاه أبو بكر بن عمر في مكانه، فتأهَّب أبو بكر لغزو بلاد السوس؛ ففى ربيع الثَّانِى سنة 448 هـ - 1056م سار المرابطون صَوْبَ بلاد السوس، ومعركة الواحات بزغ نجم يوسف بن تاشفين، وكان يلعب فيها دور قائد مقدمة جيش المرابطين المهاجم، وبعد فتح مدينة سجلماسة عيَّنه الأمير أبو بكر واليًا عليها، فأظهر مهارة إدارية في تنظيمها،[55] ثم غزا بلاد جزولة وفتح ماسة ثم سار إلى تارودانت قاعدة بلاد السوس وفتحها، وكان بها طائفة من الشيعة، فحل مذهب أهل السنة والجماعة في مكانها.[56]
أغمات
وساروا بعدها إلى مدينة أغمات وحاصروها، وكان أميرها لقوط المغراوي, الذي اضطر إلى الفرار، فدخلها المرابطون عام 449 هـ - 1057م وأقاموا فيها شهرين، وتتبعوا فلول المُغراويين، واستطاعوا قتل أميرهم الفار، وتزوج أبو بكر بن عمر من زينب النفزاوية زوجة لقوط المغراوي.
ثم سارت جموع المرابطين إلى أرض برغواطة، ونشبت بينهم معارك متتالية أصيب فيها موجِّه الحركة المرابطية ابن ياسين بجراح فحُمل إلى مقرِّ القيادة في معسكر المرابطين، وجمع شيوخ المرابطين وحثَّهم على القتال وحذَّرهم من التفرقة والتحاسد، وفارق الحياة بعدها.[57] واتفق المرابطون على اختيار أبي بكر مكان ابن ياسين، وبايعوه, فجمع بذلك بين الزعامة الدينية والسياسية، إلا أن القاضي عياض وابن خلدون يؤكدان على أنه وقع الاختيار للزعامة الدينية على سليمان بن حدو. تولَّى القائد الجديد الزعامة وخرج لقتال جنود الدولة البرغواطية، فهزمهم، وأعلنوا له الطاعة والولاء، ثم قصد أبو بكر مدينة أغمات، فمكث بها.
تابع سيره في شهر صفر سنة 452 هـ - 1060م، ففتح كل بلاد زناتة ومكناسة ولواتة بعد حصارها. وعاد إلى أغمات، قاعدة المرابطين العسكرية، وبعض اكتظاظها قرر أبو بكر اختيار عاصمة له. فكان الاختيار على موقع مراكش الحالية، وبعد التخطيط شرعوا في بنائها، لكن خبر إغارة قبيلة جدالة على لمتونة، جعلت من الأمير يسير إلى الصحراء لأجل الإصلاح بين القبائل المتنازعة، فقسَّم جيشه إلى فريقين، نصفه مع ابن عمه يوسف، الذي كُلف بتأديب القبائل المغربية المتمردة كمغراوة وزناتة وبنى يفرن.
استطاع أبو بكر التوسط بين لمتونة وجدالة، وتوسع في جهاد قبائل الصحراء من السود الوثنيين لتدخل في الإسلام؛ وبعد تعمقه في الصحراء وتحقيق نجاحات كبيرة في مهمته الدعوية؛ رجع إلى المغرب الأقصى بجيوشه؛ فاستقبلهم يوسف بن تاشفين بحفاوة عظيمة، ووقع اختيار أبو بكر بن عمر على يوسف بن تاشفين ينوب عنه على حُكم المغرب، بعد أن جمع شيوخ المرابطين والكُتَّاب والشهود، وأشهدهم على نفسه بالتخلي ليوسف عن الإمارة، معللا اختياره لتدين وشجاعة وعدل يوسف، وأوصاه:
يا يوسف إنِّي قد ولَّيتُك هذا الأمر وإنِّي مسئول عنه؛ فاتق الله في المُسْلِمين, وأعتقني وأعتق نفسك من النار، ولا تُضيِّع من أمر رعيتك شيئًا؛ فإنَّك مسئول عنهم، والله تعالى يصلحك ويمدك ويوفقك للعمل الصالح والعدل في رعيتك, وهو خليفتي عليك وعليهم.[58] |
. فزوده يوسف بالمال والخيل والمؤن عندما استأنف أبو بكر الجهاد والغزو. وطلق أبو بكر زينب النفزاوية عندما عزم على السفر مبررا ذلك كونها لا طاقة لها على العيش والترحال المستمر مع الجيش تحت حرارة الصحراء، ونصحها بالزواج بابن عمه، فتزوَّجها يوسف بعد تمام عدَّتِها.
0 comments:
Post a Comment